هذا ما كنت أسمعه لما كنت صغيرا، فقد كان جدي شيخ جدي حازم، لكنه طاعن في السن هش عوده وانحنى ظهره، بعدما كان رجلا ذا قامة وهامة ، مصاول، مقاول، جدي يا ما صال وجال في حنايا وزوايا ضيعتنا التي ضاعت.
لقد كان في ريعان شبابه ساحرا في كلامه، سندباد في رحلاته بين القرى والمداشر، كان دونجوان عصره و أوانه، كان يخفي وراءه أسرارا كثيرة هي وراء نجاحه وبقائه رغم كبر سنه ، ضاحكا سنه.
كانت القبائل تحج اليه من شرق وغرب القرية.
لم يترك أي ركن من أركان الديرة، ولا زاوية من زوايا القلعة.
مرت الأيام وكل شيء على ما يرام، إلى أن مرض جدي وعجز بسبب علة ألزمته الفراش، فصار عاجزا على الحراك والتحرك بين حنايا قريتنا.
أوكل جدي الأمر لأولي الأمر من أعمامي ورعاع من رعاته، وهنا بدأت الضيعة في الضياع.
كان جدي كلما جمعهم، أو جاءوا لزيارته، يقولون له بهتانا ، كل شيء على ما يرام.
وذات نهار أمر جدي بإخراجه ليتجول في أحياء القرية، فإذا به يندهش كم هول ما يقرأه في أحياء القرية ولم يسمعه من أعيانها من قبل ...
لقد قرأ في عيون أهلها الغيظ و الغضب...حتى الجدران تكلمت تطلب الرحيل ، كل جدران بيوت القرية مكتوب عليها البيع، حتى شباب القرية انقرضوا ورحلوا منها من غير شرعية وبلا جواز منه.
هاجر منها من هاجر ومن بقى هرم فيها من أجل لحظة طال انتظارها.
عاد جدي لمجلسه وهم القرية عاد معه ليقلق مجلسه مجددا.
بات جدي متحسرا متبصرا، والقرية يلفها سكون في هدوء تشوبه حيطة وحذر، وشيء ما يخيم على ليل القرية.
لكن أولي أمرها ناموا في برها الآمن وكأن كل شيء على ما يرام...يا جدي
بقلم: رمضان بوشارب.
التعليقات