في تاريخ العالم العديد من الملاحم لدول نهضت من بعد الدمار التام إلى التفوق والرّيادة ، لعل أهمها المانيا التي دمّرت الحرب العالمية الثانية فيها الحياة كما عرفها سكانها لتخرج بجراح بليغة وتنهض بقوة إلى مصافّ الأمم ، وفى الطرف الآخر من العالم نرى حليفتها فى الحرب ، اليابان، التى خرجت بهزيمة جلجلت أرجائها لتسرع النهوض إلى مصاف الدول المتقدمة فما الذى حقق ذلك فى بلد انعدمت مقومات الاقتصاد فيه ، وتفشت نسب البطالة .؟
بحثنا عن الإجابة كثيراً قبل أن نعثر عليها فى قصة تلك المرأة الألمانية التى زاحمها أحد الرجال فى الصعود نحو الباص فنهرته قائلة : " لقد خسرنا الحرب ولكننا لم نخسر أخلاقنا" ..
أجل أشخاص يمتلكون موقف هذه المرأة رؤيتها للحياة واحترامها لقانون الأخلاق ولنفسها قبل انبهارها بنظام الدولة هم الباقون وهم سرّ الاستمرار والتطور، لقد كانت كلمتها تمثل قيمة الفرد فى بناء الدولة ذلك الركن المجيد الذى يشكل ثروة مهولة تفوق الثروات الطبيعية والاقتصادية لأنها تستغل الأولى وتبني الثانية ، ولولا ذلك لما رأينا دولاً فقيرة فى الثروات الطبيعية غنية بالثروات البشرية ، تحمل راية التفوق من أوسع أبوابها كاليابان ..
اليابان ، ورغم افتقارها للموارد الطبيعية إلا أنها أحد أهم الدول فى تصدير معدن الصلب، بينما وفى الوجه الآخر للعملة تمتاز السمراء الجميلة افريقيا بانها أغنى القارات بالموارد الطبيعية والثروات، فيما تسكنها أقل الدول تطوراً وأكثرها بؤساً لسبب بسيط، أنها اعتمدت على الثروات الطبيعية وأغفلت العناية بأهمها الا وهى الثروة البشرية، فكيف يمكننا تنمية هذه الثروة والاستفادة منها؟.. وماهى مقوماتها ودلائلها ومؤشرات تفوقها؟ ؟ هل سيأتى اليوم الذى نمارس فيه فن الحياة مثل أولئك الناس، نتعلم استخلاص الإيجابيات من السلبيات ؟
هل نحن فعلاً نريد أن ننهض بحضارتنا بالرغم من كل مايواجهنا من تحديات؟ هل تلك التحديات ستسبب لنا اليأس فلا نفكر بانطلاقة جديدة؟ أم أنها ستكون دافع أقوى لنا ، فالإبداع يولد من رحم المعاناة .
فبيتهوفن على سبيل المثال لا الحصر ،الموسيقار الأصمّ استطاع تأليف السيمفونية التاسعة ، وهي من أهم سيمفونياته وتعد منعطفاً مهماً في تاريخ السيمفونية العالمية لكثير من الأسباب أهمها أنه أول مَن تبنى الحان سيمفونية على سيناريو قصصي وهذا ما يطلق عليه (الموسيقى المبرمجة) . كان ما حذا به الى الانطلاق ألمه الخاص حيث عانى من آلام شديدة بسبب مرضه وعدم تفهم الناس لحالته وقد كتب بذلك يقول : «ولدت حاد المزاج مرهف الإحساس لمسرّات الحياة والمجتمع، ولكنني سرعان ما اضطررت إلى الانسحاب من الحياة العامة واللجوء إلى الوحدة، وعندما كنت أحاول التغلب على ذلك كنت أصد بقسوة ومع ذلك لم يكن بوسعي أن أقول للناس ارفعوا أصواتكم اصرخوا فأنا أصم. آه أيها الناس الذين ترونني كئيبا، فظ الخلق، إنكم تظلمونني هكذا، انتم لا تعرفون السبب الغامض لسلوكي هذا، فمنذ سني الطفولة تفتح قلبي وروحي على الرقة والطيبة، وكان هدفي دوما الوصول إلى الكمال، ولكن فكروا في أنني أعاني منذ سنوات من الم لا شفاء له، زاده أطباء عاجزون.كل هذا كاد يدفعني إلى اليأس وكدت أضع حدا لحياتي البائسة، إلا أن الفن، الفن وحده هو الذي منعني من ذلك."
من اعداد مجموعة باحثين بالتعاون مع ليلى حجازي و أيوب مرين
تنسيق ومتابعة: رزان الأسعد
التعليقات