يفوّت معظم الناس الفرص لأنها "ترتدى زي العمال وتبدو كالعمل"
ربما علينا أن نوافق القول السابق، فتلك الفرص التى تنقل حياتنا نقلات نوعية والتى ينتظرها الكثير منّا بشغف ترتدي زي العمال ، وهذا يعنى بأن علينا ارتداءه أيضا فبالعلم والعمل تُبنى الأمم ولا يتحقق العلم الا بالعمل على اكتسابه وتطويره وهنا نعود للعمل مرة اخرى .
والذى يقوم بدور المحرك فى عربة التطور نحو الأمام ، وبدون دورانه تقف العربة عاجزة ! وهذا ما يحصل معنا فنحن نفتقد الى قيم العمل الفاعلة وأساليبه الناجعة فترانا نقف منه موقف العدو اللدود ونؤثر الكسل اللذيذ عليه باوقاتنا تلك التى يعزّ علينا حتى الاستفادة منها فى هواية ناجعة أو تمرين رياضى مفيد .
الكثير من الشباب يتذرع بالبطالة ، ولكن كم من شاب بحث عن حل لنفسه دون أن يجلس فاغراً فاه بانتظار الفرصة دون أن يدرك أنها تنتمى للجهد والعمل، كم من شخص تعرفه أو أعرفه سعى لإقامة مشروعه الخاص بما تعلم دون الاعتماد على الوظيفة الحكومية، كم منكم عمل بجد ووصل ليله بنهاره بغية الانجاز والانتاج ؟
العمل الذى نعرفه اغلبنا يتنوع بين الوظيفة الحكومية الى التجارة دون المرور بمرحلة الإنتاج وويل لأمة تأكل ما لاتزرع وتلبس مالا تصنع ، ولو كانت الدولة منتجة لهان الأمر ولكن الوظيفة الحكومية ماهى إلا نوع من أنواع البطالة المقنعة يقضي العاملون جُلّ أوقاتهم فيها فى فراغ قاتل وبلا عمل معروف تماما اللهم إلا إتمام إجراءات المواطنين تلك التى وبسبب سعيهم للعمل الحكومى وتكاثر أعدادهم عليه لم تجد الحكومة بُداً من إضافة موظف جديد كل هنيهة ليزيد دائرة الاشخاص الذين تمر تحت أيديهم المعاملة الحكومية فأصبح اجراء أي معاملة حكومية يتطلب جيشاً من الموظفين وهذا ينافي الإدارة السليمة والتى هى إنتاج أقصى نفع بأقل تكلفة وطبعاً لن تقل التكلفة بزيادة اجراءات المعاملة .
لذلك، فإننا نجد أن من أولى قرارات المهاتير محمد للنهوض بماليزيا كان تقليل عدد الموظفين الذين تمر عليهم المعاملة الحكومية وذلك لتوفير الوقت والتكلفة ، وبالتأكيد فإن العمل وحده لايكون فعالاً إلا إذا تحققت فيه الإدارة السليمة واختصار الوقت، فالإدارة السليمة للعمل توفر الرؤية والهدف وتحدد مساره وكلفة هذا المسار، كما توفر التقنية الحديثة سرعة الإنجاز ودقة الضبط ، وهو مايحتاج إليه كل عمل جاد منتج وفعال لينهض! ..
فما هى أهم الرؤى الإدارية الفاعلة؟
فى الحقيقة فإن اليابان من دون الدول تحتوى نموذجا إدارياً فريداً لامثيل له حتى أنه يدعى بالنموذج اليابانى وقد قامت عليه العديد من الدراسات ومن اهمها دراسة بيتر دراكر، التي نشرها في مجلة (Hayward Business Review) ، وقد ذكر في دراسته أربعة خصائص للإدارة اليابانية هي سبب التقدم الذي أحرزه اليابانيون، وهي بإيجاز:
" البحث عن المشاكل والمعيقات قبل بدء العمل- التوظيف مدى الحياة – التعليم والتدريب المستمران مدى الحياة – والإدارة الأبوية".
فإدارة اليابان الناجعة مكّنتها من النهوض بعد الحرب العالمية الثانية ومكنتها من الاستمرار بعد أزمة النمو فى السبعينات نتيجة ارتفاع اسعار النفط والذى لاتملكه اليابان وتعتمد عليه بشكل كبير الامر الذى أدى وقتها إلى حملة شعبية شاملة لتخفيض الاستهلاك والبحث عن بديل للصناعات الثقيلة المستهلكة للنفط والذى وجده اليابانيون فى الصناعات الالكترونية .
الملفت للنظر هو عمل الحكومة والشعب معاً على تخفيض الاستهلاك وعدم ترك الحكومة وحدها تجابه المشكلة بانتظار الحلول فالإدارة الجيدة تحتاج شعباً يقدر تلك الإدارة ويتحد معها فى مواجهة مصير مشترك .
شخص يعرف تماما فاعلية دور الفرد فى إدارة العجلة نحو المستقبل ويعمل ماعليه بجد وبلا تكاسل ، قطاع خاص يحتضن الموظف ويشجعه ،ومدير متواضع يهبط إلى مستوى مرؤوسيه ويشاركهم همومهم ومشاكلهم ويهيّئ لهم مناخاً مستقراً للإنتاج كما يوفر لهم التدريب المناسب ويبقيهم على اطلاع بآخر مستجدات العلم والابتكارات بشأن اساليب وطرائق العمل، كما يجابه معهم المشاكل قبل البدء ليبحث فى حلولها .
فكل مؤسسة ناجحة هى نتاج مجتمع عملى مترابط ومتعاون كخلية نحل يعرف فيها كل فرد عمله فيؤديه باتقان وهمة وفى نفس الوقت يجد فيه بيئته الحاضنة التى لاتتخلى عنه ولا تهضم حقوقه مما يشجعه على الجد والكد ليعطى مؤسسته وليضمن استمراريتها فهى تحمل فى طياته استمراريته وهذا ما يحدث فى اليابان وما لايحدث عندنا حيث يغلب طابع الفردية على العمل وتهضم حقوق العاملين فلا يشعر العامل بالإنتماء و الاستقرار، الأمر الذى يؤثر على فعاليته ويجعله ينفر من العمل الخاص لصالح العمل الحكومى فهناك على الأقل لايهضم حقه ، فطمع الأفراد وأصحاب رؤس الاموال وسعيهم للربح السريع يؤثر على العامل وعلى الجودة ، ومردّ ذلك إلى غياب قيم العمل والكدّ وقلة الصبر بانتظار النتائج الفاعلة.
للاسف نحن شعوب لم تعتد أن تنتج والفئة التى تسعى للإنتاج بيننا تسعى إليه لانها تراه كسبا ً سريعا وكأنهم يمنون علينا كونهم منتجين وينتظرون على تحريك رؤس أموالهم مرابح مضاعفة تفوقها بأوقات قياسية دون الإلتفات إلى العاملين المساهمين فى العمل أو حتى الإعتراف بكونهم جزءاً من عملية الإنتاج ، بل هم مجرد أفراد تطحنهم عجلة الانتاج ولا تأبه تلك الشركات بكون ماتأتى به الرياح تأخذه الزوابع ومابنى على الظلم فهو إلى زوال وهى بالتاكيد نتاج الفردية وروح الأنا التى نعززها فى اجيالنا المستقبلية لتحولهم فى المستقبل إن هم نحوا نحو الانتاج إلى هضم حق غيرهم مقابل ربحهم ورفاهيتهم الفردية.
سلسلة مقالات بناء الانسان:
من اعداد مجموعة باحثين بالتعاون مع ليلى حجازي و أيوب مرين
تنسيق ومتابعة: رزان الأسعد
التعليقات