خيركم من تعلّم العلم وعلّمه (حديث شريف) ..
هذا الحديث الشريف يتضمن إعجازاً فريداً ،حيث ينبّه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام إلى ضرروة إعلاء قدر المعلم أو من ينشر العلم بين الناس ويعلمهم منذ مايزيد على أربعة عشر قرناً ،
وقد ورد فى حديث آخرمنسوب له عليه الصلاة والسلام: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)، وقد اشترط فى هذا الحديث تعليم الناس الخير لحيازة الفضل .
نلاحظ، أن الدول التى انتبهت للمفهوم الخاص بإعلاء قدر المعلم هى الدول التى حققت ريادة فى مجال التنمية البشرية ، فالأجيال القادمة تتشكل على أيدي المعلمين، ولهذا فإنه من يختار لهذه المهمة الكفاءات الجديرة بها يحقق تقدماً مهماً، ففى كوريا الجنوبية مثلا ينخرط فى مجال التعليم ال 5% الأفضل من الطلاب على مستوى الوطن مما ساهم فى جعلها الأفضل عالميا فى مجال التعليم ولكن لماذا يفعلون هذا؟ بناء على اى ميزة يختار الكفاءات من ابناء الوطن الانخراط فى سلك التعليم وهم لديهم القدرة على الانخراط فى أى مجال يرغبونه ؟
مثلا تبدا قائمة الطلاب الأفضل على مستوى الدولة فى وطننا العربى بالطب والهندسة ولايدخل سلك التعليم إلا من اضطره إليه مستواه ففى الغالب يدخله الطلاب متوسطو المستوى والذين يعجزون عن مواكبة مواهب الفريدين من الطلبة فيتحايلون على الأمر بإلزامهم الحفظ لا الوعى والفهم للمنهاج الدراسى لتخبو مواهبهم ويغدون نسخة من غيرهم فى نظام تعليمى لا يعترف سوى بقدرة الطالب على حشو المنهاج فى دماغه لليلة واحدة هى ليلة الامتحان ثم بعد ذلك لايهم فى أى مكب أفرغه طالما حصل على العلامة المنشودة .
ربما يكون السبب الأول فى عزوف المتميزين من الطلبة عن التعليم هو عدم وجود حوافز ومميزات تخصّ الدولة بها المعلم، وعدم إعطاءه التكريم الذى يستحق والذى أعطاه إياه الرسول الكريم منذ 14 عشر قرنا.
وبالتأكيد لا تقتصر مساوئ نظامنا التعليمى على تهميش تكريم المعلم وهضم حقه الذى يوصله إلى مرتبة الأنبياء فما كانوا إلا معلمي خير للبشرية جمعاء عليهم أفضل السلام بل تطال أهدافه ورسالته، فلا يهدف سوى لحشو العلوم فى أذهان الطلبة كما أسلفنا آنفا دون الأخذ بعين الاعتبار كون التعليم وحده ليس الهدف الأساسى .
حيث ورد فى كتاب علي عزت بيجوفتش الشهير الإسلام بين الشرق والغرب:
(التعليم وحده لا يرقى بالناس ولا يجعلهم أفضل مما هم عليه أو أكثر حرية، أو أكثر إنسانية. إن العلم يجعل الناس أكثر قدرة، أكثر كفاءة، أكثر نفعًا للمجتمع. لقد برهن التاريخ على أن الرجال المتعلمين والشعوب المتعلمة يمكن التلاعب بهم بل يمكن أن يكونوا أيضًا خُدامًا للشر، ربما أكثر كفاءة من الشعوب المتخلفة. إن تاريخ الإمبريالية سلسلة من القصص الحقيقية لشعوب متحضرة شنت حروبًا ظالمة استئصالية استعبادية ضد شعوب متخلفة أقل تعليمًا، كان أكبر ذنبهم أنهم يدافعون عن أنفسهم وحرياتهم. إن المستوى التعليمي الراقي للغزاة لم يؤثر على الأهداف أو الأساليب، لقد ساعد فقط على كفاءة الغزاة وفرض الهزيمة على ضحاياهم) .
أجل، التعليم لايجعلنا أقل عرضة للتلاعب بنا أو أكثر إنسانية ، ولكن الأخلاق والقيم تفعل. ولهذا نجد أن الطلاب فى كوريا الجنوبية يتعلمون وفق مناهج دراسية تنمّي لديهم السلوك الحياتي المفيد.ولنا أن نتصور ما يحدثه منهج دراسي يعلِّم التلاميذ في المرحلة الابتدائية المواد الدراسية الآتية:
- التربية من أجل الأمانة. - التربية من أجل الحياة ذات المعنى. - التربية من أجل التمتع بالحياة. - التربية الخلقية. - التربية الرياضية. - الحِرَف. - النشاطات اللاصفية وهذه النشاطات بطبيعة الحال إلى جانب تعليم اللغة والحساب والدراسات الاجتماعية- قادرة على أن تفعل شيئاً مهماً هو بناء الشخصية وبناء الذات القادرة على العطاء المتميز في الحياة.وهو مايفتقده طلابنا الذين يخرجون الى الحياة دون هذه القيم وللاسف دون الحد الأدنى من المعلومات أيضا ..
لم يحدث هذا؟ لأنهم لا يتعلمون من أجل التعلم بقدر ما يتعلمون من أجل الاختبارات تلك التى لا تقيم لها كوريا الجنوبية وزناً كبيراً، بل تجعل اهتمامها مُنصبّاً على امتلاك طلابها للمعلومات والمهارات والمفاهيم الأساسية ولو تَطَلَّب الأمر أن يستمر المدرسون مع الطلاب إلى ساعات متأخرة من الليل حتى تتأكد المفاهيم، وترسخ المهارات، وتنمو المعارف.
كيف نتحايل على الأمر للخروج من الأزمة كأفراد؟
أعتقد أن على كل منا أن يغرس قى أبناءه منذ الصغر حب العلم للعلم ذاته وأن ينمّى فيهم تقديس واحترام شخص المعلم ودوره ، أن يحاول غرس القيم التى من المفترض أن تغرسها المدرسة و اجتناب تعليم الأبناء تقديس علامة الاختبار والسعى للدراسة فقط للحصول عليها دون الاهتمام بمخزونه العلمى،
أن يراقب مواهبه وأن يدعمها بقدر ما يستطيع ليصبح هو لا صورة عن طموح والديه او نسخة مكررة من اقربائه وابناء عمومته ..
****
سلسلة مقالات بناء الانسان:
من اعداد مجموعة باحثين بالتعاون مع ليلى حجازي و أيوب مرين
تنسيق ومتابعة: رزان الأسعد
التعليقات