منذ وقت ليس بالقصير أهم في أن اكتب مقالا في هذا المعنى وذلك نظرا لما أجده من اختلاف في وجهات النظر حول مفهوم التغنانت.
التغنانت هذه الكلمة الشاوية التي نظر إليها البعض على أنها غباوة وإصرار على العناد السلبي وفسروها على أنها تمسك بالخطأ أو فيما معناه شعبويا -معزة ولو طارت – .فسروها بناء على معطيات واقعية في حاضرنا اليوم على أنها حوار الطرشان فلا هذا الطرف ولا ذاك يحاول أن يتفهم وجهة نظر الآخر وان تفهمها فلا يعترف للطرف المقابل بصحة رأيه وقد اقتربوا بنظرتهم هذه جانب من حقيقة سلبية هذه الكلمة . وقد تبين لي من واقعنا أن التغنانت في معناها هذا سلبية ونرجسية وأنانية وعناد سلبي أو ما يمكن أن نطلق عليه روح التغنانت السلبية .
من المؤكد أن التغنانت في معناها السلبي لا تقبل أن ندافع عليها ولا تقبل أيضا أن نضعها في إطارها السلبي وحسب فان مفهوم التغاننت في حد ذاته إصرار وتحدي و تغَنَّانَتْ في مفهومها الحقيقي إصرار على قول الحق والذوذ عنه واندفاعية وفعالية روحية أكثر منها جسدية .لذلك فان الذي ينتقد التغنانت فهو ينتقدها من خارج أبواب التغناننت الحقيقية دون أن يدخل في مفهومها الايجابي ويساعد على هذا المفهوم السلبي استعمالنا للتغنانت في كل ما هو عناد سلبي إذ نكتفي بها في غالب الأمر ونعتمد عليها في تقوية حججنا الضعيفة أمام صحة اعتقاد الطرف الآخر فبدل مقابلة الحجة بالحجة فإننا نقابل الحجة بالتغناننت .
تغنانت قاتلة في جانبها السلبي ربما هي من أهم الأسباب التي عطلت مسيرة الديمقراطية في بداية التسعينات ودفعت الجزائريين إلى العشرية السوداء وهو ماذهب إليه الدكتور الطيب برغوث على أن للتغنانت النصيب الأكبر في إذكاء تلك الأزمة وإصرار وعناد كل طرف على فكرته وبروح تغاننت سلبية .
التغنانت التي نحتاجها اليوم ليست - تغنانت معزة ولو طارت - بل التغاننت الايجابية التي جعلت بن بولعيد ومجموعته يتحدون أبوية الزعيم مصالي الحاج ويشعلون ثورة زعزعت كيان فرنسا وكان رد مجموعة 22 على أبوية الزعيم مصالي وعلى جبروت فرنسا المتكبرة. التغنانت بمفهومها الايجابي التي جعلت الحركة الوطنية تصدر خلال أربعينات القرن العشرين لجريدة أطلقت عليها – تغَنَّانَتْ- وفي كل تبقى روح التغنانت الايجابية هي التي دفعت المجتمع الجزائري بكل أطيافه وأوصلته الى تحقيق الاستقلال. هذه الروح التي أصبحت اليوم من مكتسباتنا النفسية والاجتماعية والتي نعتقد في أنفسنا بأنها هيام بالحرية واعتداد بالنفس وهي في جوهرها روح مدمرة استعلائية سلبية الاندفاع .
واعتداد غير عادي بالبطولة والفحولة في غير محلها فما أحوجنا اليوم إلى روح -تغَنَّانَتْ - ايجابية تجد صداها في الواقع لتصرف تلك الانفعالية الزائدة في فائدة المجتمع وخدمته.بعيدا عن حدة الرأي وقشورية الاعتداد بالنفس التي لايكاد ينفذ شيئا منها من القوة والنجاح والعظمة سوى اعتداد بالنفس يطبعه التكليف والتزييف .
بقلم: رمزي بوبشيش.
التعليقات