لم تعش الدولة خلال السنوات الأخيرة سوى مرحلة استوجبت جملة من الخيارات الأليمة التي أقرها الرئيس بوتفليقة خصوصا أن مجيء سلال لمنصب الوزير الأول كان مع رياح الربيع العربي ومع فصل قاس عايشته الدولة الجزائرية و أدارت أزمته بالامكانات المتاحة خصوصا تلك المتعلقة باحباط المؤامرات التي استهدفت السلم الأهلي و الامن القومي و وحدة التراب الوطني و مجابهة التهديدات الاقليمية جراء ما عرفته المنطقة من حريق مهول كاد يصل للثوب الجزائري .كلها أزمات و محطات كانت تستوجب من مؤسسات القرار بالجزائر التوقف كثيرا عند سلم الأولويات فكان الملف الأمني والعسكري على رأس الأولويات وكان صون البلاد من الفتن و التقسيم والحريق هو الهدف السامي عن جميع الظروف والمطالب .
ولعل ادارة الملف الاقتصادي و الاجتماعي كان ملف حكومات سلال الخمس المتعاقبة،الا أن سلال انصرف عن أداء مهامه الدستورية وانحرف عن الخط الاستراتيجي الذي يحقق أهداف الدولة السامية وخضع لأطماع غير عقلانية استهدفت النيل من مقومات الأمة ماليا و حتى نالت من سيادة الوطن في بعض الاتفاقيات وسايرت تصرفات الوزير الأول الأسبق أهواء الاشخاص ومصالحهم فحصلت أخطاء كثيرة ولم يكن غض الطرف عنها سوى امهالا للتصحيح الا أن خيارات سلال عبد المالك كانت كثيرا ما تتغلف بالرغبة في بناء قاعدة صناعية و تنويع الاقتصاد . ولعل تعيين عبد المالك سلال قبل أكثر من 5سنوات ،هو خيار سيادي عبر عن رغبة في اعطاء نَفس جديد للجهاز التنفيذي بشخصية كانت خلال عملها في منصب الوالي و الوزير أثبتت جانبا من الحركية، و الجدية ،والكفاءة ، لكن منصب الوزير الأول كان أكبر من عبد المالك سلال ، و أساء الرجل كثيرا حين توهم أن الصلاحيات والثقة و الدعم هو للتمادي في خيارات موجعة للاقتصاد الوطني تحت عنوان التحرر الاقتصادي وخلق استثمارات صناعية ثقيلة.
ولعل محطة الاستحقاقات التشريعية التي يراها البعض أنها مجرد تفصيل عابر هي الشعرة التي قصمت شعرة الثقة ، و زادت مشاورات سلال العبثية من تأكيد حجم المستوى الحقيقي للرجل الذي كان في أواخر أيامه قد وقع بيديه دوافع انهاء المهام والاقالة التي كانت من رئيس الجمهورية تطبيقا لصلاحياته و تأكيدا أن مرحلة سلال انتهت و أن تصحيح الأخطاء الهيكلية في الاقتصاد لايمكن تحقيقها بحكومة ضعيفة أو بوزير أول " خاضع للوبي المالي" ومتورط في شبكات "مشبوهة" دولية.
قد تكون شخصية عبد المجيد تبون التي عرفت بالصرامة والجدية سوى الشخصية الأنسب لتسريع الورشات الكبرى في الاقتصاد الوطني ، ولعل الاعتماد على تقارير سوداء اطلع عليها رئيس الجمهورية جعلت الأخير يوعز للوزير الأول بضرورة تصحيح تلك الاخطاء الهيكلية و تحميل كل مسؤول تورط أو أخطأ نصيبه من المسؤولية وهذا ما ترجم في تصريحات الوزير الأول عبد المجيد تبون الذي صارح الرأي العام الوطني بملف "خطير" متعلق بنصب و احتيال على خزينة الدولة وعلى الجزائريين، حيث أن حلم مصانع تركيب السيارات تحول الى مجرد عملية تركيب عجلات للسيارات و التهرب الضريبي و تهريب العملة الصعبة،وسلة من الجرائم الاقتصادية التي لم تصل بعد لصفحات اللاعلام يبدو أن مصالحا و أجهزة سيادية أكدتها لمصالح الرئاسة،ولعل الخطاب الصارم للوزير الأول الجديد جاء في سياق نفض الغبار على صورة الدولة عند المواطن ، فالدولة ليست عجوز أو عاقر ولا يمكن لاحد أن يسرق الدولة دون عقاب ، وليست مجرد فندق للتنزه ، ليست عاجزة عن تولي زمام الأمور عبر أجهزتها ، فالدولة قادرة على تصحيح مختلف الأخطاء و اعادة الاعتبار لدور الدولة و لصورتها وحضورها لدى الرأي العام خصوصا بعد "حفلة تهريج " عاشتها الجزائر مع شخصية عبد المالك سلال
فشخصية عبد المجيد تبون في ثوب الوزير الأول اعادت الاعتبار لشخصية الدولة المعنوية و اعادت هيبة أجهزة الدولة الجادة في تصويب بعض السياسات، ولعل الخطاب السياسي الجديد الذي يعتمد على المصارحة و المكاشفة مع تصريحات تبون وزير الصناعة الجديد محجوب يؤكد أن تصحيح وتصويب الأخطاء الهيكلية صار خيارا سياديا ومهما كلف لن تتراجع عنه الدولة ، وقد تكون حكومة تبون1 ، هي الحكومة التي سوف تكشف مواقع الخلل في جميع مؤسسات الدولة و أجهزتها ،و أن تتمكن هاته الحكومة من انقاذ ما يمكن انقاذه من الاقتصاد الوطني الذي صار أحوج لحكومة انقاذ وطني ، يحشد الموارد المالية ويضبط عقارب الساعة على استحقاقات وطنية و تحديات اجتماعية و أعباء تتحملها الدولة أمام مواطنيها ، كل هذا لا يزال يحتاج عملا دؤوبا ، و جدية و خيارات أليمة وقوية ، تحقق دولة المؤسسات و تنهي عقلية "البايليك".
قد تكون حكومة تبون 1، التي لا تزال في بداية طريقها تحتاج الى تدعيم عبر العديد من الكفاءات و ايضا لا يزال المناخ العام بالجزائر يحتاج لخطاب سياسي جديد يراعي ما نعيشه دوليا واقليميا من تحديات خطيرة تستوجب "دورا جزائريا متميزا" خاصة أن الأزمات كشفت وعرت بعض مواطن الضعف في الأداء والخيارات ...........
يتبع.
هشام.ج
التعليقات