أين العرب من الكتلة الاوراسية؟
د. زياد حافظ
أمين عام المؤتمر القومي العربي
22/8/2017
خطاب الرئيس بشار الأسد أمام أعضاء وزارة الخارجية للجمهورية العربية السورية من أهم الخطابات التي ألقاها لعدّة أسباب. طبعا، هناك التأكيد على الثوابت السورية من وحدة الأراضي ورفض التقسيم، إلى هويتها العروبية الجامعة، إلى بوصلتها في الصراع العربي الصهيوني أي فلسطين، إلى دعم المقاومة الحقيقية. لكن ما لفت نظرنا في خطابه الذي كان موجّها لسورية وللأمة العربية في آن واحد هو تأكيده على التحوّل في القبلة الاستراتيجية نحو الشرق. وهذا التحوّل له دلالات عدّة.
الدلالة الأولى هو الانتهاء من الغرب كمرجع أساسي في حياة العرب. مقاربة الرئيس السوري كانت دقيقة بمقدار ما عبّرت عن مرارة من خيبة الأمل من الغرب. فالغرب غدر بالعرب وسيستمر في ذلك. من هنا كلامه لا مكان لمن لن يقطع صلته بالحركات الإرهابية على حد تعبيره. لكن في رأينا المسألة أكثر من خيبة أمل. فالرؤية المستقبلية نحو الشرق تنهي حقبة بدأت مع النهضة العربية في القرن التاسع عشر عندما حاول العرب الالتفات نحو الغرب فما حصدوا إلاّ استعمارا ثم هيمنة ثم عندما بادر العرب على ممارسة استقلالهم حاول الغرب تدمير العرب عبر تقسيمهم وتفتيتهم كما شجّع على التشويش والتشويه للإسلام.
الدلالة الثانية هي العودة إلى الذات التاريخي. فالعرب عند الفتوحات توجهّوا شرقا وليس غربا. العثمانيون حاولوا التوجّه نحو الغرب ففشلوا. اخذ العرب من الغرب آنذاك الروم، الفلسفة بينما أخذوا من الشرق، أي بلاد فارس والهند والسند والصين العلوم. المعرفة التي أنتجها العرب بعد استبطان الشرق وعلومه مصدره الأساسي الشرق، والشرق اليوم أصبح مصدرا أساسيا للمعرفة ولم يعد حكرا على الغرب. فالتوجّه إلى الشرق ليس لرد الجميل لتلك الدول التي وقفت إلى جانب سورية في مواجهة العدوان الكوني عليها بل لقناعة أن المستقبل هو في الشرق. في الماضي كان موطن المعرفة في الشرق، فانتقل إلى الغرب بواسطة العرب، واليوم عاد إلى الشرق بفضل الثورة التكنولوجية في التواصل والاحتساب والنقل.
الدلالة الثالثة هي مستلزمات التوجّه إلى الشرق. فلا يمكن أن يحصل التوجّه إلاّ إذا ما تلازم مع إعادة بناء الدولة والمجتمع العربي السوري وفقا لرؤية استراتيجية كاملة. مستشارة الرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان أشارت إلى وجود مشروع متكامل وإن لم تفصح عن تفاصيله. نأمل أن يكون ذلك المشروع وفق الخطوط العريضة للمشروع النهضوي العربي بأبعاده الست: الوحدة في مواجهة التجزئة، الاستقلال الوطني في مواجهة مشاريع التبعية، المشاركة الشعبية الفعلية في القرارات الاستراتيجية في مواجهة الاستبداد ومساءلة الحكم والحكام، التنمية في مواجهة الفقر (وهنا نفرّق بين النمو والتنمية حيث الأخيرة متعدّدة الأبعاد)، العدالة الاجتماعية في مواجهة الفوارق الاجتماعية، وأخيرا التجدّد الحضاري في إيجاد منظومة معرفية عربية جديدة لا تتنكر للتراث الغني الذي ما زلنا نجهل معظم كنوزه.
التوجه نحو الشرق في السابق كان عبر الفتوحات. التوجّه اليوم هو عبر تقديم التعاون مع دول الشرق. فللعرب إمكانيات مادية وعقلية إذا ما تمّ تعبئتها وتوظيفها قد تحقّق فتوحات في المعرفة والتنمية. قناعتنا هي أن إعادة بناء سورية العربية على هذه الأسس قد يؤهّلها لتصبح قائدة في نهضة الأمة. فالتجمّعات الدولية الكبرى لا تقبل في أنديتها الدول الضعيفة. فسورية القوية هي التي تستمد قوّتها من قواها الذاتية من جهة كما أنها تستمد قوّتها من عمقها العربي. فالمشروع العربي هو الذي يعطي القوّة لسورية كما لكافة الأقطار العربية. القطرية لم تعد قابلة للحياة خارج إطار التكامل العربي واليوم قبل الغد. طبعا، هناك عوائق يريد البعض أن تتحوّل إلى استعصاءات لكن في آخر المطاف الطريق واضح. لا مستقبل للعرب خارج إطار التكامل الكامل.
فالمطلوب هو العمق العربي الذي لا يطبّع مع الكيان الصهيوني. ما زالت حتى الساعة دعوات للتطبيع ليست مقتصرة على بعض دول الخليج بل وصلت إلى السودان وبعض النخب في المغرب الكبير العربي. المراهنة على الكيان هي مراهنة على الغرب وبالتالي مراهنة على الفشل رغم الإغراءات التي يحاول أن يقدّمها الغرب والكيان لتلك النخب. فالانصياع إلى الغرب مدمر. فالسودان الذي سمع النصيحة الغربية خسر جنوب السودان ولم يخرج حتى الساعة من دائرة الابتزاز الغربي. فأين الإغراء وهل الهرولة نحو الكيان تشكّل الحل؟ أما في الخليج، فالرهان على الغرب أدّى إلى تصدّع مجلس التعاون الخليجي والهرولة نحو الكيان لن تساعد أصحاب العروش على الحفاظ على عروشها. أما في المغرب العربي الكبير فالرهان على الغرب فهو عبر الهجوم على اللغة العربية والمحاولات البائسة لإثارة النعرات العرقية إضافة للدعوة المستدامة للهرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني رغم المقاومة الصلبة لشرائح واسعة من المجتمع في المغرب العربي الكبير.
الدلالة الرابعة لقرار الرئيس السوري بالتوجه نحو الشرق هي لضم سورية ومن خلالها الأمة العربية إلى الكتلة الاوراسية. حتى هذه الساعة لا نعتقد أن النظرة "الشرقية" للعرب نظرة إيجابية بشكل عام رغم المواقف الإيجابية إلى جانب سورية في مواجهة الحرب الكونية الموجّهة ضدّها. لكن هي رهان على المستقبل في استعادة عافية سورية ومن خلال ذلك نهضة الأمة العربية التي تصبح شريكا ندّيا مع العمالقة الشرقيين. فإذا ألقيانا نظرة إلى خارطة مشروع "الطريق الواحد، الحزام الواحد" الذي أطلقه الرئيس الصيني زي جين بينغ يربط بين بكين وطهران وإسطنبول، بينما هناك متفرّعات فقط لذلك الخط تمرّ بكل من العراق وسورية. فالعرب ما زالوا على الهامش.
قناعتنا هي أن الدولة العربية القوية، سورية في هذه الحال، ضرورة لنجاح المشروع الاوراسي. فبالإضافة للاعتبارات الأمنية والجيوسياسية قد يشكّل السوق العربي إضافة نوعية إلى السوق الآسيوي والاوروبي الذي يهدف إليه المشروع الاوراسي. كما أن عودة مصر للعب دورها العربي سيساهم في إنجاح التوجّه إلى الشرق. فقد تُهمّش قناة السويس إذا ما بقيت مصر خارج الإطار الاوراسي خاصة وأن الكيان الصهيوني يفكّر بحفر قناة يربط المتوسط بإيلات عبر الأردن وبتمويل خليجي! فعلى مصر أن تحسم عاجلا أم آجلا علاقتها مع الكيان للحفاظ على الأمن القومي المصري.
هذا ما استخلصناه من خطاب الرئيس ومما لا شك فيه أنه يستدعي المزيد من التفكّر والنقاش. وربما هذه المرّة الأولى بعد غياب الرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصر تحدّد التوجهّات الاستراتيجي للأمة العربية رغم وجود رموز معاكسة لذلك التوجه بين القيادات العربية.
د. زياد حافظ.
التعليقات