الديستوبيا أو عالم الواقع المرير هو مجتمع خيالي يسود فيه الفساد و الفوضى و السرقة و القتل و الإجرام بكل أنواعه حيث لا قانون سوى قانون الغاب أين يأكل القوي الضعيف فيتجرد فيه الإنسان من إنسانيته ليتحول إلى مسخ شرير ، و قد اختصر الرستفاريون مفهوم المدينة الفاسدة في لفظ " بابل" أوائل القرن الماضي كرمز يجسد الحضارة المستبدة و المكان الديستوبي الذي تعمه كل أنواع الشرور.
و الرستفارية هي ديانة توحيدية تفرعت و انشقت من المسيحية تقول بتجسد الرب في الإمبراطور السابق لإثيوبيا " هيلا سيلاسي الأول" حيث يراه الرستفاريون كجزء من الثالوث المقدس بوصفه المسيح المذكور في الإنجيل و قد نشأت الحركة في جامايكا بين الطبقة الكادحة و المزارعين السوء ذوي الأصل الأفريقي كما ينتشر أتباعها في العديد من البلدان في العالم إثر تأويل لنبوءة إنجيلية على حالة هيلا سيلاسي بوصفه الحاكم الوحيد في ذلك الوقت على دولة مستقلة تماماً و قد ساهمت أفكار " ماركوس غارفي" القومية و التي تنادي بقومية السود وكذلك اغاني " بوب مارلي" في تشكيل الحركة الرستفارية و انتشارها في العالم إذ و بحلول القرن الواحد والعشرين أصبح هناك مليون رستفاري من اتباع الديانة الرستفارية حول العالم.
و المتابع لمجريات وتسلسل كرونولوجيا الأحداث في القطر العراقي ما بعد الإحتلال الإمبريالي الغربي و الصفوي يخرج باستنتاج أن العراق وصل لمرحلة متقدمة في ماراثون الدول الفاسدة في العالم هذا إن لم يكن يطابق وصف المدينة الديستوبية تماما، إذ خسر هذا البلد الغني بسبب الفساد في ظرف عشر سنوات فقط 250 مليار دولار ففي المجال النفطي يتم تهريب من 300 إلى 500 ألف برميل يومياً حيث تقدر الخسائر 7،2 مليار دولار سنوياً في حين تم تبديد 30 مليار دولار خصصت للكهرباء ليبقى المواطن العراقي يعاني من نقص الكهرباء و انقطاعها المستمر و اليومي في العديد من المناطق هذا دون ذكر عشرات الآلاف من المناصب الوهمية و قطع الأسلحة المفقودة في ما يعرف إعلاميا " صفقة صربيا".
أما من الناحية الاجتماعية فالمجتمع بات مقسم طائفيا و مذهبيا و وحدة القطر باتت مهددة مع انتشار الميليشيات و السلاح و التصفيات على الهوية و خطف للمواطنين حتى يخيل للمرء وجود دول داخل الدولة العراقية مابعد الإحتلال الأمريكي و كل هذا يحدث حكومة تدعي الديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان.
و تنشط أسواق تزوير الاقامات والجوازات الاجنبية بشكل واسع في المناطق العراقية, وخاصة في المحافظة بغداد لقاء مبلغ يتراوح بين 1000 و1500 دولار للإقامة و2000 دولار للجواز الاوروبي.
ويعمد المزورون الى الاستعانة بمختبرات خاصة وتقنيات حديثة أما تهريب الآثار فمازال مستمراً منذ أفتتاح القوات الأمريكية الغازية أبواب المتحف العراقي 9 نيسان 2003, حيث تمكن اللصوص من سرقة عشرات الآلاف من القطع الأثرية , بالأضافة لتدمير الميليشيات الطائفية بعضاً منها والمتاجرة ببعض آخر حيث يدر عليها أموالاً طائلة.
كذلك يحتل - عراق ما بعد 2003 - الصدارة عالمياً في جرائم أخرى كتبييض الأموال و الغش الصناعي و خطف الأطفال و زراعة المخدرات و غيرها من الجرائم.
كل هذا يجعلنا نتساءل هل صدق الرستفاريون في إطلاق اسم بابل كرمز للمدينة الديستوبية الفاسدة؟
الكاتب : أنور بن الطيب
التعليقات