تخيل معي أيها القارئ أن رجال السياسية في الجزائر من دون مال والعكس رجال المال دون سياسة معادلة يصعب موازنتها في الجزائر إذا ما كمل أحدهما الآخر ما عدا قلة قليلة يمكن أن تحصى بأصابع اليد، هي معظلة يصعب حلها تحتاج إلى فيلسوف يفقه جيدا أساليب المغامرات السياسية، ومن أجدر من تبون تولى هاته المهمة فهل سينجح يا ترى وماهي خطته لذلك ؟
فصل المال عن السياسة في الجزائر هي معضلة يجد الوزير الأول عبد المجيد تبون نفسه في أزمة كبيرة أمامها، لم يأبى هذا الأخير إلا أن يحير تراب هاته الإشكالية الغابرة منذ عقود في مقبرة السياسة الجزائرية بقراره الذي ساهم في تضخيم قاعدته الجماهرية منذ توليه منصب الوزير الأول تزامنا مع التجديد الحكومي الأخير من طرف رئيس الجمهورية السيد "عبد العزيز بوتفليقة"، هو سيناريو كان بطله رجل الأعمال ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات "علي حداد" الذي إعتبره تبون رأس الحية والتى قرر أن تبدأ بها تجسيد أوامره في عملية الفصل هذه على أرض الواقع إلا أن حداد لم يجد نفسه وحيدا أمام قرارات تبون حيث سانده رئيس إتحاد العمال الجزائريين "عبد المجيد سيدي السعيد"، فتزامنا مع بداية تحركات تبون في عملية الفصل وإنتشارها إعلاميا شاهدت تقريرا على قناة البلاد تجلى من خلاله ذكاء حداد بالنسبة لي كأول مرة حيث سأله الصحفي "يوسف زغبة" قائلا له: "هل سنرى علي حداد مساندا لصديقه السعيد بوتفليقة في حالة ما إذا ترشح لرئاسيات 2019 ؟" أحسنت يوسف سؤال ذكــي إلا أن رد حداد كان أذكي فأجابه قائلا: "أنا أجيبك فقط عن الإقتصاد وأشار إلى رفيقه في ذاك الموضع هذا من سيجيبك عن السياسة" حيث أراد هذا الأخير أن يمثل دور المنعزل والمترفع عن ميدان السياسة، كهجمة عكسية أراد حداد الرد على قرارات تبون في أول فرصة إعلامية تتيح له.
وعليه أثار حماس تبون وعزمه تحطيم إمبراطورية رجالات المال ضجة إعلامية جعلت المجتمع المدني يتضامن مع قرارات السيد تبون ضدهم ومطالبتهم بإرجاع وتبرير ديونهم تجاه الحكومة الجزائرية إلا أن حداد دعني أقول "مسح السكينة في الأحوال الجوية" كتبريرا على فشل المشاريع المقدمة له بإسم الحكومة الجزائرية والمنتظرة الإستحقاق "عذر أقبح من ذنب" حقا !
مراسلات ومهاتفات توصلت إلى لقاء بين الطرفين سي تبون وحداد لم يتم رصد أي معلومات عنه حد الساعة لكن ضحكات حداد التى صعب عليه التحكم بها في مقبرة العالية خلال مراسيم دفن وزير الحكومة الأسبق"رضــا مـالك" كشفت الكثير عن هذا الإجتماع ألا وهو أن خيبة أمل الشعب بتبون وحدها من ستفصل هذا الصراع، تستحق أن يشفق عليك أيها الشعب تالله إنك لمعذور ففي كل مرة ترى بصيص ضوء يسوقك بآماله إذ به يوحى أنه مسدود.
يكفي تبون شرف المحاولة الذي عجز الكثيرون نيله ومواجهة رجل أعمال بالوزن الرزين مثل حداد لكن هدفه المنشود لن يتحقق إلا إذا ما وجدت إعادة هيكلية في البنية السياسية من جديد، فوحدها تشريعيات 2017 من تشهد تجسيد وحدة رجال المال وتمسكهم بالسياسة والدليل شعار التنديد الذى رفعناه في تلكم الفترة "رجال المال في البرلمان" ! لهذا قلت أنها معضلة يجد المرء نفسه في مشكلة عند الولوج إليها أو محاولة حلها فكيف تفصل المال عن السياسة وأنت تملك برلمانا وكأنه منتدى إقتصادي لرجال المال والأعمال كيف تفصل المال وهو الفاصل في ترتيب وتنظيم القوائم الإنتخابية ؟ من هنا يتضح لنا أن الفساد في الحكومة داخليا لا يتجاوز أولئك أصحاب البدلة السوداء بإختصار "زيتنا في دقيقنا" ! كما نتمنى أن يكون هذا الإخفاق بالنسبة لتبون إستراحة محارب لا هدنة ظاهرها سلام وباطنها إستسلام.
بقلم: جمال سلطاني.
التعليقات