هل هو صبر أيوب ؟ هل لأجل الأبناء فقط ؟ هل هي الأمانة والوفاء ؟ أتذكر لحظة بلحظة ، أتذكر خطوة بخطوة ، وأتذكر أيضا ثانية بثانية ، فالثواني بالنسبة لسجين سابق في بلد غير بلده وبين أناس من كل الأطياف والأعراق ، يعني أنك تحتاج إلى "صمام صم الآذان " و" جسد يتحمل التعذيب " ، ما سمعته من السجين السابق بسجن بغداد بالعراق محمد وابد أن صمام القوة الداخلية لديه كانت بناته : " هناك في بلدي الجزائر شيء يمكنه أن يحركني ويجعلني أتحمل ، أن يقول لي لازم تعيش ، بناتي هم " الحياة.
قبل ثلاث سنوات ، اشتغلت على ملف السجناء الجزائريين في العراق ، ومن بواية قناة "الشروق "، مأساتهم طفت لسطح الأحداث في الإعلام الجزائري سواء الصحف اليومية أو القنوات الخاصة ، وبخاصة عقب إعدام أحد السجناء من ولاية بسكرة ، أتحرج اليوم كثيرا في ذكر الأحداث بالتفصيل ، فقط لأنني وقتها كنت كصحفية ابحث عن بصيص أمل في عدم تنفيذ عقوبة الإعدام ، فكل المؤشرات كانت تقول : " أن الحكم سينفذ " لكن وقتها تعاملت القناة مع الحدث بأنه " خبر أو معلومة أو سكوب إنساني " أتذكر لحظتها أن " الكلمات تلفتلي كيف أكتب ؟ وأي كلمة أختار ؟ وماذا بعد إعلان الخبر العاجل ؟ في النهاية في الصحافة هناك خبطة إعلامية تدخل في خانة " السكوب " ، لكنه في الزاوية الأخرى هي سحب خنجر لطعن عائلة الضحية ، دون قتلها ، بل نتركها تنتظر عودة الجسد بعدما فاضت الروح لبارئها ".
هكذا كنت أفكر ، وهكذا كنت أرى الأمور من زاوية الإنسان ، بالنسبة لي الأسماء لا تعني شيء في مثل هكذا قضايا ، أصلهم وفصلهم لا يهمني حتى وإن كانت أهم نقطة في الصحافة هي الدقة ، وكم كانت التصفيقات حارة جدا عندما نحصل على خبر جيد للبث ، اسم ما ، حادثة ما ، فالأسماء بالكامل وليس بالأحرف الأولى هي " حجر الزاوية في قضية مثل هكذا مسألة ".
حصلت على اتصالات هاتفية من أحد السجناء ، ثواني المكالمات بالنسبة له هي الخيط الرفيع الذي يعلقه كلما سمح له السجان بإجراء مكالمة ، فقناة الشروق كانت وسيطا معه ومع وزارة الخارجية الجزائرية ، صراحة هناك أشخاص في الوزارة ، كانوا حريصين جدا على سرية التعامل مع هذه القضية ، كانوا يشتغلون في الظل ، في غياب اتفاقيات قانونية بين الجزائر والعراق ، انقاذ ما يمكن إنقاذه لمن بقي من السجناء الجزائريين يعتبرون في هذه الحالة " رعايا " أما أسباب تواجدهم في العراق تبقى بين قوسين في يد الجهات الأمنية ، فلا يمكن أن نرفع الصوت وندافع عن شخص قرر واختار الذهاب إلى ساحة الموت أو وجد فيها أو أقحم فيها ؟؟؟ ، لكننا في النهاية ننزع قبعة القضاء ونضع قبعة الإنسان ، صراحة موضوع شائك ، لجأت فيه إلى استشارات عدد من أصحاب الخبرة في مجال الإعلام ، والقانون ، و العلوم السياسية وعلم الاجتماع النفسي ، ومن زملائي في قاعة التحرير على رأسهم الزميل هشام موفق مداد والزميلة ليلى بوزيدي والزميل الطاهر فطاني والزميل محمد شارفي والزميل عبد العزيز تويقر والزميل عبد الحكيم بلغيث والزميلة كريمة قاسي والزميل مهدي مخلوفي " ، في المحصلة ، كلهم كانوا يرددون ، موضوع قوي " تبعيه ".
نعم بفضل الظروف ، تابعت الملف ، وضعت الأصبع على الجرح ، اخترت يوما أن أزور أحد عائلات السجناء ، لحظتها كانت تشبه البحث عن ابرة في كومة قش ، تنازلت بعض الشيء عن أسلوب الكتابة الصحفية وأنواعها وشروطها ولبست رداء الكتابة البسيطة ، فكانت لحظة الحصول على رسائل من سجين في العراق وبختم الصليب الأحمر الدولي ، كما حصلت على تسجيلات استغاثة من عدد من السجناء ، ازداد اهتمام القناة بالموضوع ، وصارت الوزارة تقدم تفاصيل أكثر في مقابل محاذير دبلوماسية ، وصنعت وقتها محاذير إعلامية رغم بعض المعلومات المتوفرة ، لأنه في النهاية السلطة التنفيذية والسلطة الرابعة يتقاطعان في نقطة واحدة اسمها " مصلحة الرعايا " ودون مزايدة خسرت العديد من الخبطات الإعلامية في هذا الملف ، لكن ربحت اليوم وقبل عيد الأضحى فرحة عودة أحد السجناء إلى أهله وبين بناته وزوجته ، اليوم حواري الصحفي بين السكوب والإنسان أنني صرت بلا وظيفة ، لكن أحمل معي المهنة.
فتيحة زماموش.
التعليقات