" إذا أردت رؤية قوس قزح ، فعليك تحمل المطر"
قبل 20 سنة بالتمام والكمال ، يومها كانت شوارع الجزائر العاصمة تغرق بسبب الأمطار الغزيرة التي تساقطت في شهر أكتوبر ، كم أحب المطر فهو عنوان التفاؤل والخير والبركة ، وقتها لازلت طالبة جامعية في معهد علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر ( حيدرة ) ، حيث كان معهدا وطنيا ، يوم رسخ في ذاكرتي ، لأنه ارتبط بأول أجرة لي في الصحافة ، كنت مراسلة لصحيفة النصر العمومية ومقرها قسنطينة ، وكانت أول أجرة قبضتها عن بعض الأخبار التي نشرت لي في الصحيفة هو ( 2700 دينار جزائري ) أي أقل من ثلاثة آلاف دينار وأكبر من 2000 دينار ، طبعا تستغربون لماذا ذكرت الرقمين الأخيرين ، فهما بكل بساطة من يحددان كم سأدفع لأشتري حذاء أستقبل به فصل الشتاء ، طبعا مثلما يفكر الطلبة ومن لا يملك الكثير من المال في الجيب ، كنت أفكر في حذاء شتوي أسود يليق مع كل الملابس ، ويكون أنيقا يليق بفتاة في بداية الحياة ، ويمكن مسحه دون اللجوء إلى آداة مسح تكلف وقتها 50 دينارا ، ويمكن استعماله لأكثر من ثلاث سنوات أخرى كما يفكر أغلب الجزائريين من العائلات البسيطة .
صراحة تجولت بعيني عبر عديد واجهات المحلات في شوارع قلب العاصمة ، طبعا لم يكن أمامي خيار التجول خارج قلب البلد بسبب وجود حافلة النقل الجامعي الوحيدة ، التي تقل الطلبة من معهد الإعلام نحو محطة تافورة مرورا بالنفق الجامعي مرة واحد كل ثلاث ساعات أو كما يطلق عليها اليوم " الباص الأزرق " فحافلات النقل الجامعي وقتها كانت بالأبيض والأزرق وغير متوفرة ومتاحة بنفس الوتيرة والتوقيت والوجهات المتاحة للطلبة اليوم .
أول شيء لازال عالقا في ذهني ، وأنا أتجول بين محلات بيع الأحذية ، غضبي وحسرتي بعدما تعرضت للسرقة في الحافلة ، وستر الله أن المبلغ الذي كان بحوزتي لم يكن في محفظة الوثائق البيضاء والحمراء ، كان ذلك عزائي الوحيد ، " أول أجرة من جهد لأشهر عديدة " ، أتذكر جيدا أن عيني كانت على شيئين شراء حذاء وشراء كتاب ، وطبعا كلا الأمنيتين تحققا والحمد لله .
تمشيت عبر شارع حسيبة بن بوعلي ثم ديدوش مراد لأرجع إلى الزاوية الأولى ، على بعد خمسين مترا من محطة توقف حافلة النقل الجامعي ، لأجد نفسي أمام العيادة العمومية لعلاج الحروق ، وفجأة وجدت دكانا لبيع الأحذية ،دخلت المحل ، فلفت انتباهي حذاء أسود جلدي وصالح للخريف والشتاء ، وثمنه أقل من 2000 دينار،بالضبط 1700 دينار ، وصاحب المحل خفض لي الثمن ليصل السعر 1600 دينار .
فرحت كثيرا وكأنه يوم عيد ، سعادتي لا توصف وأنا أخرج المبلغ من حقيبتي ، وكان المبلغ كله من فئة المأتي دينار ، فسلمت البائع ثماني ورقات ، لحظتها قررت أن ألبس الحذاء وأمشي به في الشارع .
قصة الحذاء لافتة ومضحكة في نفس الوقت ، بعد عملية تجريب الحذاء الجديد والأنيق ، توقفت أمام المحطة في انتظار وصول حافلة النقل الجامعي، وما أن ركبت كنت أنظر إلى حذائي محاولة لفت انتباه الموجودين في الحافلة " فتيحة اشترت حذاءا جميلا ومن أجرتها الأولى " .
أفتخر وأعتز اليوم بتلك اللحظات النادرة ، لا أعتقد أنني سأعيش قصة جميلة مثل تلك القصة التي عشتها مع أول " شهرية " قبضتها في الصحافة ولأجمل حذاء لبست في حياتي ، عزائي الوحيد أنني كلما مررت جنب المحل أعيد القصة كاملة بتفاصيلها على مسامع زوجي أو لأحد أفراد عائلتي ، أما اليوم فأنا أسردها لكم فقط لأشارككم الفرحة التي يمكن أن تصنعها الأمور البسيطة في ميدان الإعلام ، فلكل انجازات بدايات وأغلب البدايات تمنحنا حافزا قويا لمواصلة المسار ، في رحلة لا ننتظر متى تنتهي ولكن أهم الدروس التي نتعلمها خلالها هي ما حصل ويحصل وسيحصل أثناء الطريق .
فتيحة زماموش.
التعليقات