ليس الابتسامة سوى غطاء يغلف الكثير من التفاصيل .. في مناسبة العيد (الفطر والأضحى) تتضح الكثير من الصور وتسفر اللحظات السعيدة المنتظرة من المسلمين، عن ما يتكبده الآلاف من الموظفين ، في أعظم المناسبات الدينية ، داخل غرف الأخبار لها طعم خاص ، الأعياد تجعل الصحفي يسابق الزمن من اجل الظفر بفرصة قضاء المناسبة الكبرى مع الأهل ، مع الأسرة الكبيرة أو مع الأسرة الصغيرة ، خاصة وان الكثيرين من ممارسي مهنة المتاعب ينحدرون من المدن الداخلية، والمناسبة كهذه هي "الفرصة السانحة " لرؤية العائلة ، حيث تجدهم يتحينون اليوم الذهبي لقضاء وقت من الفرح رفقة العائلة ، لكن هناك من يجدها أيضا فرصة للبروز للعمل للارتقاء ولتغطية "العجز "في الكادر البشري في المؤسسة الإعلامية خلال العيد ومنح مساحة واسعة لمن يقضونه مع الاهل خصوصا ان كان المسؤول متفهما لوضعية البعض ،ويرسم خطة عمل بإمكانها أن تضمن الخدمة العمومية خلال العيد ولمدة تزيد عن يومين أو ثلاثة ، وبإمكانها تلبية طلب الجمهور ان كانت قناة تلفزيونية ففي الصحف لا يطرح الاشكال في اليوم الأول من العيد كما هو في الاعلام الثقيل من تلفزيون واذاعة .
وبالتجربة لمدة طويلة لأيام الأعياد في دوامة الإعلام ، هناك بصمات ولحظات رسخت في ذهني كانسان وفي تجربتي كصحفية وفي قلبي كفرد من أفراد عائلة احتاج لزيارتها وقضاء العيد في كنفها وكعنصر فاعل في اسرة تستحق ان تبذل لاجلها القليل من التنازلات خلال هذه المناسبة الدينية اهمها وضع المهنة جانبا والتفرغ لآداء شعيرة اسلامية بكل ما لها وما عليها من عادات جزائرية .
في غرفة الأخبار تتطلب هكذا مناسبات أن يتم تحضير مادة إعلامية ويتم تخزينها ليومها في ما يسمى " ثلاجة المادة الاعلامية " او بالمختصر المفيد فقط ما يسمى ب "الفريقو" اي كل المادة الاعلامية التي يتم تحضيرها وتجهيزها من طرف الطاقم الصحفي في المؤسسة الاعلامية ،قبل ايام او اسبوعين او اكثر من يوم العيد وبخاصة وان الجزائر بكل ولاياتها ومناطقها وقراها ومساحتها الشاسعة تزخر بكم هائل من العادات والتقاليد التي يتشبث بها الجزائريون ويحيونها في كل مناسبة ،وغالبا ما تدرج في قسم " الفيتشر " أو " المنوعات الإنسانية " التي تحكي قصة ، تروي مهمة ، تقتفي أثر عادة لازال الجزائريون يمارسونها ، تحيي في الجمهور لذة احياءها كل سنة ، وتربطهم بمنطقتهم ، وتجعلهم أيضا يفتخرون بالزخم المخفي من حيوية مجتمعهم .
هنا يكون الدور الكبير يوزع على أصحاب المهمات العميقة وهم المراسلون المنتشرون في الولايات ، بفضل تقاريرهم وريبورتاجاتهم الانسانية والاجتماعية ، التي تكون زبدة التقارير التي تبث خلال العيد وايامه الثلاثة ، لما تحمله من مادة "دسمة " وتغطي مساحة وقتية من النشرات الاخبارية فضلا عن كونها تربط الجمهور بما تبثه القناة ،طبعا علاوة على مختلف الاخبار الجديدة التي تبث في حينها والتي يشتغل عليها فريق كامل يوم العيد.
تقنيا ،في الاعلام ينقسم العمل الى فريقين ،فريق يعمل اليوم الاول من ايام العيد وفريق ثاني يعمل في اليوم الموالي ، ومن له الحظ فهو من يفكر في الحصول علي يومين راحة بسبب اشتغاله اليوم الاول من العيد ،ففي الحالة الاولى يتخلى جميع عمال الفريق من رؤساء تحرير وصحفيين ومصورين وتقنيين وسائقين عن فرحة صباحيات العيد التي لا تعوضها ايام راحة اخرى.
تجربة الاعلام في ايام عيد الفطر وعيد الاضحى تجربة جميلة جدا ، قد يفرط فيها البعض عن حق قضاءه مع الأسرة حفاظا على استمرارية البث وسير العمل الصحفي كما يجب ، لأجل ضمان وصول المعلومة ايضا ، و يقتطع البعض من إجازتهم خلال عطلة هي مدفوعة الاجر في مؤسسات كثيرة ، ولا غبار ان المهنة تفرض ذلك ،كما هي موجودة في عديد المهن والوظائف الذي "تحرم " الكثيرين من قضاء فرحة العيد ان كان هو عبارة عن فترة زمنية يجدد فيها العامل دم العمل والنفس للحصول على الصفاء الذهني ، قد يستيقظ البعض باكرا لمنح البعض الاخر حق الفرح رفقة الاهل خصوصا من طرف المتزوجين للشباب العزاب ، لكنه في الجهة المقابلة يمنحك العيد خبرة يوم او يومين لا تقدمها لك المؤسسة ولا الجامعة ولا المدرسة خلال سنوات كاملة.
في الاعلام ، ومع مرور الزمن وتكرر التجربة مرتين في السنة ،تتعود الاسرة على ظروف ابنها او ابنتها كما تتفهم ظرفهما في مهنة المتاعب وما لها وما عليها من واجبات وحقوق ايضا، لكن من الصعب بمكان ان تقنعها بتفاصيل قد يتقبلها الجميع لكنها في زاوية اخرى تبدو غريبة ، وتطرح في الذهن العشرات من الأسئلة حد الانتقادات ، بل وتجعل من يوم الاحتفال ثقيل جدا ،رغم كل الحلاوة التي تحملها المناسبة .
بالمحصلة فالعمل الصحفي في أيام العيد هو مثل الخدمة التي يؤديها الطبيب المداوم والممرض و الشرطي والدركي وعناصر الجيش وعمال الحماية المدنية وعمال النقل وغيرهم ممن يضمنون سير عديد الخدمات في احتفالات المناسبات الدينية ، يتطلب صبر كبير و يحمل نكهة خاصة لا يشعر بها الجميع ، لكن تتميز الصحافة عن باقي المهن أنها خلال هذه المناسبات تفتح الشهية لتعلم أشياء غير مدرجة في محاضرات الجامعات ، وتمنحه فرحة وثقة وعطاء لاينتهي ، فهي أشبه بلعبة الدومينو عندما تقع قطعة واحدة تقع بقية القطع، بسبب ما يسمى ب" العدوى " غير أنها عدوى طيبة فشكرا للأعياد فهي التي تلقن المهنة .
فتيحة زماموش.
التعليقات