لا يجادل احد في حق العمال والموظفين في العمل النقابي والمطالبة بحقوقهم والدفاع عن ميدان عملهم والمطالبة بظروف جيدة لسيرورة عملهم ومهنتهم فالقانون والدستور يكفل لهم ذلك وأي اعتداء عليهم هو مساس بالقانون والدستور إلا أن إضراب الأطباء المقيمين يتعدى هذه المطالب التي هي من حقهم إلى مطالب دستورية وقانونية مطالب ظلمهم فيها الإعلام بتصوريها للقاعدة الشعبية على أنها مطالب يريدون من خلالها امتيازات وهروب من المسؤولية اتجاه الوطن والشعب مطالب وإضراب يحركهم فيه جشعهم وطمعهم وهو تزوير وتزييف لحقيقة المطالب الشرعية وبين نظام يدعي احترام القانون والدستور ليضرب بعرض الحائط نداءات الأطباء وصوتهم وبمبدأ سواسية جميع المواطنين أمام القانون وبحق المساواة الذي كفله القانون والدستور.
ما حدث للأطباء في مستشفى باشا من ضرب وقمع لمسيرة سلمية لملائكة الرحمة هو عار في جبين من يدعي حماية القانون ومسؤولية توفير الأمن للمواطنين.
هذه المشاهد التي اندهش لها الجميع وليتفاعل معها الشعب وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي مستنكرا لما حدث للأطباء المقيمين ورافضا للغة العنف اتجاه أي من كان طبيب أو أي مواطن آخر فلا يحق للأمن التصدي لهكذا مظاهرات سلمية بهذه الطريقة إلا ان أكثر ما يثير الدهشة هو تفاعل القنوات الإعلامية مع هذا الحدث الذي حاولت أن تصوره لنا على انه اعتداء من الجانبين وما قابله من نشر حقائق مزيفة وكذلك محاولتهم إظهار للرأي العام الأطباء بصورة سلبية تدل على جشعهم وطمعهم وتنافي مطالبهم مع إنسانية الطب ونبالة الطب.
بين مطرقة نظام غير مصغي وغير مبالي للمطالب الشرعية للأطباء وبين سندان إعلام غير حيادي وغير موضوعي وجب تنويه الرأي العام والقاعدة الشعبية بالمطالب التي رافع لأجلها الأطباء المقيمون والتي نظموا لها مسيرات سلمية ووقفات احتجاج وإضراب قانوني نقابي أمام كل هذه الأحداث وهذه التداعيات علينا أن طرح على أنفسنا ما الأمر الغير قانوني والمجحف -في تقديرنا- الذي جعل الأطباء يطالبون بحقهم القانوني؟
هذه المطالب التي يمكن أن نلخّصها في مطلبين اثنين، اولهما المتعلق بالخدمة العسكرية والثاني بالخدمة المدنية.
فبخصوص الخدمة الوطنية فان القرار القاضي بإعفاء المواطنين الذين تعدوا سن 30 من واجب الخدمة الوطنية فقد استثني منه وبتعليمة الأطباء في تعارض تام مع مبدأ المساواة بين المواطنين الذي يقر به الدستور الجزائري وهذا أهم مطلب طالب به الأطباء وهو مطلب قانوني وجب على شرفاء الوطن وبمن يؤمنون بالقانون والدستور الوقوف وقفة رجل واحد إلى جانب الأطباء في مطلبهم الدستوري والقانوني وضد تغليط الرأي العام التي تقوم به بعض الأجهزة الإعلامية غير الحيادية.
أما الخدمة المدنية فهذه الخدمة التي فرضتها الدولة فيما مضى على عدة قطاعات ومهن لتتخلى عنها لاحقا وتستثني منها الأطباء المقيمون الذين تخرجوا لتوهم كأطباء أخصائيين ولتجبرهم عليها بغير حق ولتفرض عليهم فرضا الا ان المشكلة الأساسية ليس في اجباريتها او من عدمها إنما في الظروف التي تقابل هذه الخدمة التي تريد بها السلطة السياسية شراء السلم الاجتماعي على حساب مهنة الطبيب وصحة المريض اذ يرسل الأطباء إلى أماكن عمل لا تتلائم تماما مع اختصاصهم من نقص للوسائل والهياكل التي يستطيع فيها الطبيب ممارسة مهنته كطبيب اخصائي ولتقديم خدمات طبية للمرضى تتناسب ووضعيتهم هذه المشكلة الاساسية فيما يخص الخدمة المدنية لا كما يصوره الإعلام غير الحيادي من رفض الطبيب لها والتي من حقه ان يرفضها ما دامت تستثنيه دون الآخرين إلا أنهم قبلوا بها داعين في ذلك توفير الشروط المناسبة لممارسة المهنة وحفظ كرامة الطبيب.
وقد هالني، شخصيا، وكشاب طبيب، مظهر مآزر زملائي الأطباء الملطخة بالدماء وتعامل قوات الأمن معهم كما أنني تفاجئت أيضا من حقد الاعلام غير الحيادي وبعض المواقع الالكترونية على الاطباء بدون مبرر وبتزييف الحقائق حول مطالب الاطباء.
الا انني كذلك تفاجئت من خطاب بعض زملاء المهنة والمواطنين اتجاه قوات الامن ووصفهم بأوصاف لا تليق بكرامة الإنسان وكذلك الحط من مستواهم التعليمي وغيرها وهي تصرفات غير مقبولة وتتعارض مع شرعية المطالب وقانونيتها فالتصرف الخاطئ لقوات الأمن نحتكم فيه إلى القانون والدستور وليس الحط من قيمتهم ومستواهم واذ نلقي اللوم على هؤلاء فاننا نلقي اللوم على السلطة السياسية بتصرفاتها الطائشة اتجاه مواطنيها وعدم احتكامها للحوار في اطر قانونية، فالقانون الذي لا يطبق على الجميع لا يحترم وتسقط هيبته.
د. رمزي بوبشيش.
التعليقات