منذ اقالته من منصبه كرئيس للجهاز التنفيذي بقي أحمد أويحي رجل النظام الخدوم ، ولعل صورته وهو يرتدي سترة مراقب في أطار مهمة " وطنية-افريقية" لمراقبة الانتخابات بموريتانيا كانت أبشع صورة لا يزال الرجل يعتبرها صورة هزلية لرجل نرجسي عاشق لذاته مغرور في شخصيته الأمازيغية المتكبرة ، يومها كان السي أحمد كمن يقول لعرابي النظام لو طلبتم مني أن أقف في ساحة الشهداء بالعاصمة لأنظم حركة المرور سوف أفعل ، لم يكن السي أحمد سوى كشخصية منكسرة الجناح بدا يومها حذرا في تصريحاته ، ملتزما بانكفائته ، وايضا بدى راضيا بقدره كرجل يُستبدل في المواقع حسب الطلب ،قد يكون العبد الضعيف كما يسمي نفسه عرف في تلك الأيام الحالكة من ترتيبات الحكم القاسية أن عهده قاب قوسين أو ادنى من كلمة قف ، ولكنه ظل يترقب وفعلا جاء موعد الانتخابات الرئاسية ل2014، وكان الرجل يخرج للعديد من الولايات كخطيب مفوه ، وكانت خطبه جميعها تنصب على التحذير من الخطر الخارجي و الحريق العربي و المؤامرة و المناورة ، يحسن السي حمد اللعب على وتر المستمع ، ينتقل من موقف لآخر ولعل اختياره ليكون ممثلا لشخص الرئيس في حصته كمترشح ضمن المقابلة التلفزيونية الرسمية كانت مثل مكافأة على أدائه المتميز عن سلال و بلخادم و بن يونس و غول ، كان أويحي فارس النظام ، كان رجله الذي يفهم كيف يقف أمام الشعب ويحسن اختيار ألفاظه ، وحده السي حمد سار في تلك المرحلة على صراط النظام ونجى بصك الغفران و اعتمد في تلك الفترة مديرا لديوان رئاسة الجمهورية ، و ظل الرجل متحفظا فيما تعلق بالشؤون الداخلية للتجمع الوطني الديقراطي ، يفهم أحمد أويحي أنه أكبر من التصحيحيات و يعرف أن كلمة السر التي أزاحته قد تعيده في أي لحظة ، وهكذا مضت الايام سريعا و عاد السي أحمد لمقر بن عكنون ، في ذلك المقر له ذكريات كثيرة ، وغير بعيد كان أويحي يلتقي برفقاء الحكم في فترة ما ، من بين المقرات التي حملت أسراره و كتمت طموحاته و عصفت بأحلامه ، خلف تلك النظارات هدير أحلام رجل أمازيغي قح ، و عاصمي فذ ، لكنه لا يخرج عن عباءة صاحب السلطان ، اختار الأزرق لونا خلفيا لخرجاته الأعلامية ، حتى في هذا التفصيل بقي السي أحمد وفيا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة و ايضا تردد كثيرا في قبول المقابلات الصحفية لكنه صار يسير وفق برنامج اتصالي ترويجي يتبدى هذا فيما يلي :
1-كثرة الندوات الصحفية التي عقدها الرجل منذ عودته الى أمانة الحزب تدل على رغبة للرجل في الترويج لنفسه ، و عن نية في أن يكون أويحي ضمن المرحلة القادمة رجل تواصل مع الجيل الجديد الذي صارت مواقع التواصل الأجتماعي فضاءا اساسيا ، ولعل السي أحمد الذي حذر كثيرا في البداية من خطورة هاته المواقع الا أن حزبه وشخصه أثبت ولوجهما للعالم الافتراضي أن هناك قناعة بألا بديل عن مواكبة هاته الثورة الاتصالية ، ولعل الندوات الصحفية غالبا ما تكون فرصة للاعلام لاختلاق السبق الصحفي و ضخ الحدث الاعلامي و قد يكون أويحي بخبرته الطويلة يدرك تماما أن كل حرف وكل مثال و كل جملة يتفوه بها محسوبة في ميزان الحسنات والسيئات يكون أويحي رجلا في الكثير من المرات متحكما فيما يقول ، حذرا ، هادئا ، مُحضرا لكلمته ،دقيقا في اختيار مصطلحاته ، وحده أحمد أويحي الرجل الذي يستطيع أن يوازن بين نقده للاداء الحكومي و دعمه للحكومة ، وحده أحمد أويحي من يدعم بعض الخيارات الحكومية و يعتب على أخرى،يحسن اختيار الالفاظ ويتجنب الخطاب الهجومي العنيف بدليل أنه اصبح يميل للخطاب المتوازن الداعي للاستقرار في العلاقة مع الآخر .
2-خلال مهمته باجراء المشاورات في اطار التعديل الدستوري الحديث ، كان أداء أويحي أداءا خاضعا لتوصيات الرئاسة ، بدى مكبلا كثيرا خلال خرجاته الاعلامية ،وكثيرا ما كانت قبعة مدير ديوان رئاسة الجمهورية تكبل جموحه لابداء الرأي في بعض القضايا وبدى في مهمته اداريا أكثر منه سياسيا، وحتى الصفحة الرسمية لموقع رئاسة الجمهورية التي كانت ضمن عمل الديوان لم يكن لها دور سوى نشر بعض الاخبار بانتقائية ، ولعل نشاطه التسويقي تحت القبعة الحزبية حررت الرجل من التحفظ و صارت صفحة الارندي الرسمية من بين الصفحات الحزبية الرسمية بالجزائر ، تتهادى اليها عيون الاوفياء للسي أحمد ولحزبه
3-مقابلاته الصحفية وخرجاته في بعض القنوات الخاصة كرست رغبة الرجل لاعادة بناء ظله الاعلامي بشكل مغاير لما راج عنه خلال المرحلة السابقة ،و باحترافية ملفتة يحرص أويحي وفريق مستشاريه على أن تكون المقابلات التلفزيونية تحظى بتغطية و حملة فيسبوكية في صفحات الحزب الرسمية و التطوعية ، ولعل مقابلته على قناة البلا د كانت جد موفقة شكلا ومضمونا ، في الشكل كان تموضع صورة الرئيس بوتفليقة في بلاطو المقابلة موفقا كثيرا ، وحضور اللون الازرق لافتا ، وايضا أناقته بدت متكلفة ، وايضا لا ننسى أن أويحي كان خلال المقابلة كمن يحاول تطهير شخصيته من بعض الدعايات و الشائعات التي غذت الشارع الجزائري و فرزته على أنه شخصية متكبرة و غير مكترثة بالوضع المعيشي للشعب ، نفى أنه قال : لايهم أن يأكل الشعب الجزائري الياوورت" كان الرجل حريصا على أن يقف شخصيا على اعادة تلميع صورته و بمشاركة تبدو أكيدة لصحفيين و خبراء في الاتصال و الترويج ، وحتى قناة البلاد التي تعتبر من بين القنوات القلائل التي تحوز على عتاد تكنولوجي متميز و متطور تكون شاركت بشكل أو بآخر في أن يكون الحوار في مشهد باضاءة و تقنيات عالية الاحترافية .ولعل أويحي كان خلال اللقاء متمكنا محاورا هادفا لتحقيق التسويق السياسي بحس عال من المسؤولية .
4-قد يكون مشهد أويحي وهو يتحدث مع الجالية بالانجليزية مشهد راسخ في عيون مخابر النظام ، وكل من تابع تلك الدقائق يدرك أن الرجل كان في تلك اللحظات يحاول أن يتماهى مع رغبات تحييد الفرنسية كلغة رسمية ثانية ، و أن الرجل حاول أن يبدو متمكنا من اللغة الانجليزية ،كانت تلك الورقة التي عاد اليها اكثر من مرة فعلا دليل ركاكة في الانجليزية و كان جلوسه أمام الكميرا قريبا بالشكل الذي جعله يبدو أكثر بدانة ، فيما كانت الاضاءة الخافتة تحاول اخراج الرجل من ضوء الى ضوء ، ومن فضاء الى فضاء بدى الرجل عازما على مواكبة النشطاء الواقعيين و الافتراضيين ، وعلى التواصل مع الجميع بلغتهم التي يفهمون .وبالمستوى الذي يحقق له سمعة بأسهم جديدة و ربحية سياسية متجددة.
يقال أن السي أحمد قال عن انتخابات 2014 أنها مصيرية لمنظومة الحكم ، و أن الاستحقاقات التشريعية و المحلية ل2017 هي مصيرية لحزب الحكم ، و أن 2019 هي انتخابات القدر مع صناع الحكم *
وحدها الايام من سوف تكشف صدق هذا التسريب من أحد رجالات أويحي في احدى الولايات ، وقد يكون التسويق السياسي عبر فضاء التواصل الاجتماعي بحق فرصة جديدة لجيل جديد للتعارف على أويحي أحمد الجديد والمتجدد المتعدد المواقع و المهمات.
هشام*ج
التعليقات