إسمه جلال شاب في الثامنة والعشرين من العمر، خرج يتجوّل في قلب مدينة قسنطينة، فعضّته قطة مسعورة فمات، إسمه هارون طفل ضرير في الثامنة من العمر خرج في بلدية أم العظائم بسوق اهراس، للهو فالتهمه كلب حتى الموت، إسمه راسم رضيع تركته أمه في المستشفى بولاية خنشلة، للعلاج فهاجمته الجرذان فأكلت من أعضائه الكثير، إسمهما فائد وحليم شقيقان في بلدية نڤرين، على باب الصحراء لدغهما عقربا فقتلهما، إسمها أماني، تلميذة في التحضيري كانت تُمتّع بصرها بجميلات المسلسلات التركية خرجت إلى المدرسة فالتهم كلب مسعور وجهها وأرسلها إلى الإعاقة* المبكرة*.
هذا ليس مسلسلا مكسيكيا له بداية ولا نهاية له، وليس حلقات مرعبة للمخرج الشهير ألفريد هيتشكوك، وإنما مآس تقع في بلديات جزائرية يدفع رؤساؤها الملايير لأجل قيادتها ويدخلون في معارك عروشية وحزبية من أجل كراسيها، رغم أن الظاهر أن مهمتهم الأولى والأساسية هي رفع الزبالة من الشوارع والقضاء على الجرذان والكلاب والقطط المتشردة التي تمكنت رفقة الأوبئة من السيطرة على المحيط. وعندما تكون العاصمة الجزائرية التي يسكنها الرئيس والوزراء والسفراء، وما يسمى برجال المال والأعمال ضمن الخمس مدن الأسوأ في العالم من حيث النظافة خلف مدن لا تمتلك لا ماءا ولا صابونا، فإن حال بقية المدن ولا نقول البلديات يؤكد أن مسلسل إبادة المواطنين بالوسخ لن يتوقّف عند هذا الحد، الذي جعل عاصمة الشرق التي نال طبيب من مستشفاها وهو الفونس لافران عام 1907 جائزة نوبل في الطب، بعد قضائه على فيروسات أوبئة خطيرة* يموت* فيها* الشباب* بعضات* القطط*.
وإذا كان مئات الآلاف قد شاركوا في ثورات الخريف، طلبا للنقل المدرسي والشتاء طلبا للغاز والربيع طلبا للسكن والعمل والصيف طلبا للكهرباء، وبلغوا رقما يزيد بعشرة أضعاف عن رقم البلديات المنتشرة في الجزائر، فإننا نخشى أن يكون مطلبهم القادم بعد أن عجز هؤلاء المسؤولين عن توفير الحماية من الزواحف والحشرات، هو الحياة فقط دون أن يمسسهم ويمسس أبناءهم شر قادم من جرذان سمينة أو هرات مكلوبة، بينما يتمكن هؤلاء المنتخبون من التفوق على أصوات المواطنين وإرادتهم ويُقلبون كل المعادلات التي تسير بها الأمم رأسا على عقب، ويتحولون إلى* أسود* في* الغابة* السياسية* يبتلعون* العلماء* والنزهاء* والمتخلقين* من* دون* هضم*.
وما حدث في الأيام القليلة المقبلة ،من صراعات تعيين رؤساءالقوائم الانتخابية المرشحة للبرلمان، حيث يمتزج الصراع على منصب النائب بحكايات المال والخيانة والسطو وكل المفردات السيئة، يؤكد أن الذين تسلموا وسيتسلمون رقاب المواطنين لا يعلمون أن المقصلة بأيديهم، والذين سبقوهم تفننوا في قتل أمل الناس باسم أحزاب في أسمائها الظاهرية كل الصفات الجميلة من تحرير وديموقراطية وسلم وإصلاح وفي باطنها سُعار ولدغ، وهم يتفنون الآن في معركة بلوغ الكرسي دون الالتفات لهؤلاء الأبرياء الذين صاروا يموتون بالعض واللسع.
بقلم: مالك شرماط
التعليقات