بقلم: عايدة خليفي-
من الطبيعي إن كنت أحد أبناء هذا العصر أن لا يشد انتباهك كثير من المصطلحات المكررة كالرسالة والنهضة والقضية والموت والحرب و العبثية والوجود وتقليد الغرب والفن الهابط وتحرر المرأة و "الكمونتات" والكثير الكثير من " الجامات " ، كلها قد تمر عليك في يوم واحد وأنت تقلب هاتفك الذكي الذي لا يفارقك ، صاحب اللمسات الساحرة ، وبين هاته وتلك ، وما دمت كثير الصداقات فلابد وأن لك على صفحتك ذلك الواعظ الذي يصدع رأسك بأحد الفضائل التي لابد وأن تتحلى بها والتي تكون في غالبها مستقاة من طباوية الأجداد التي لا تقهر ، أما الممل حقا أن يرتدي لك تلك العباءة من هم أبناء هذا الجيل الغارق في الحداثة حد الارتواء فيقع في تناقض صارخ بين التنكر والانغماس ، فتجده يترصد بك في كل مرصد ، يمارس دور المراقبة بمجسات ذات أحدث طراز ، مشكلة هؤلاء أنهم يفهمون في كل شيء قد يخطر ببالك حتى بعض المآلات الغيبية والحواضر النسبية ، ولهم أن يمنحوك أوسمة الفضيلة متى شاؤو ويقتلعونها منك متى شاؤو أيضا ، يأخذون الأحكام بكل ثقلها ليسقطوها عليك ويقيسوها حتى تجد نفسك في آخر المطاف لم تسلم من جحيمهم ولو بغطسه جلد واحدة ، وتجد بالمقابل ذلك المشكك الكيوت الذي يضع صورة أخته ليثبت حجم إنفتاحه بطريقة مضادة لكل فلسفات مجتمعه وتحفظاته فهو ناكر متوهم يتنكر حتى لطريقة أمه في طهي الكسكسي بطريقة جدته الموروثة ، لديه حساسية من كل مطلقيات الوعاظ ، يشككون حتى في رغبتهم في الحياة ، تجده يكتب على صفحات حسابه عن عدم جدوى الإيمان بالأشياء والأفكار مادامت مآلاتها إلى الاندثار وتجده يزرع فيك رغبة جامحة لوضع حد لهاته المهزلة ، الغريب أنه صديق معك منذ أكثر من سنة ولم يفعلها ، مذهبه في الحياة هو الضد لكل ضد ، يتحدث عن الحرية كثيرا لدرجة الملل ، نظرته عن الجيد هو كل ما تجاوز بساط البحر متوسطي، أما ما هو رجعي ومتخلف هو كل ما هو عالم ثالثي ، كأن الحياة تفقد شكوكها إذا كان لها جواز سفر غربي إلى مطلقية صحتها ونعيمها ، هؤلاء الشباب هم في الغالب أصحاب هرمونات زائدة تستطيع أن تسكتهم ببعض الوفرة المادية و البيولوجية ، لأن جل اعتراضهم على أحكام التشريع الخاصة بالجسد والمرأة ، وتجد رواد التصوف والسلام من يحبون العالم أجمع ، يحبون حتى ذلك الذي يقطر دما من آخر طفل تمت الأغارة عليه ، لديهم عاطفة تراحمية متطرفة مع كل أشرار وطيبي العالم ، يحبون اللون الوردي والأبيض ، يميلون للتعتيم على الحروب بإحصاء عدد أوسمة الأوسكار وسفراء السلام ، يؤمنون بكل الآلهة حتى تلك التي تنكر الآلهة ، يستبيحون الازدواجية في رؤيتهم للقضايا بشكل واضح ووجه مسلوب من أي ذرة للخجل لاجتراحهم كل تلك المتناقضات يهللون ويكبرون لموتى الغرب ، ويتعبهم كتابة العدد الطويل لموتى العرب على صفحتهم ، وبين ثنيات التقليب تجد أولئك السياسيين المحنكين الذين يكتبون بلغة غير مفهومة كي يظنهم البسطاء عباقرة زمانهم ، أولئك التنظيرين الذين على حسب احصاءاتهم فإن العالم انتهى قبل ما يقارب عشر سنوات ، أو أنه أصبح مزهرا قبل سنوات أيضا ، فهؤلاء أيضا ينقسمون لمبشرين ومنذرين بالواقع السياسي للعالم ، وفي كلتا الحالتين فثلاثة أرباعهم غير متخصصين بالشؤون السياسية ، وسط كل هاته الأقطاب تجد نفسك أضعت ما يقارب ال 100 ميغا من الأنترنت من رصيدك بين إعجاب لهذا وتعليق لذاك دون أن تفهم حقيقة ما يجري هنا ، فتغلق هاتفك وتلعن شركات الاتصال المحتالة ، لتخرج بعدها لأقرب كشك لاقتناء شريحة جديدة ذات ال 1 جيقا ، كي لا تراوغك ثانية ، ودون أن تشعر تكون مولت ذات الشركة المحتالة برصيد مضاعف عشر مرات أي أنك وقعت فريسة الاحتيال بشكل مضاعف.
في الأخير " معليش" المهم أن لا يفوتك شوط من تلك الحرب الطاحنة .
التعليقات