![]() |
فتيحة زماموش |
"مانسحقش الطيارة نسحق أولادي يكونوا زي النوارة " موني بن عبد الرحمان
هي أمي، المدرسة الأولى والأخيرة ، من زرعت فينا الكثير من الصبر ولازالت ، بل هي صورة عن الكثيرات من " فحلات " الجزائر العميقة ، يتم وصفها بذلك لأنهن قاومت الظروف ، مرت حياتها كأنها " شعاع " ، وجدت نفسها أرملة في سن ال 44 عاما ، تعيل تسعة أولاد أصغرهم لم يتجاوز التسعة أشهر ، كان ذلك في سنة 1991 " ،السنوات مرت لكنها كانت مريرة ، لكن الابتسامة لم تفارقها ، تتألق والدتي موني وهي تقص حكايتها على مسامع أبناءها وكأنها تحكي لهم عن الجوائز التي نالتها وهي (تقصد نجاح أولادها في نهاية كل عام دراسي)، جوائز نالتها مع صبرها وتضحيتها طوال أزيد من 27سنة.
في نظر الكثير من الأمهات ، وبعد أن يكبر الأولاد ويصبحون رجالا ونساء، يظل نجاح الأحفاد هو الأهم ، فالحفيد هو أعز من الإبن ،الكثيرات ينتظرن نجاح الأحفاد كما تفعل والدتي، تتقبلن بفرح كبير صخبهم وصراخهم ويعشن معهم أيام المراجعة والمذاكرة على الأعصاب ، الكثيرات يسألن عن نتائج الأحفاد دون ملل أو كلل وتحفزهم ببعض الدنانير كجوائز أو تأخذهم في جولة مشيا على الأقدام.
" مانسحقش الطيارة نسحق أولادي يكونوا زي النوارة " هكذا تقول أمي وغيرها من الأمهات ، فهي واحدة من نساء الجزائر ، قدمت تضحيات كثيرة بعد وفاة الزوج ، وكم هن حرائر الجزائر ، ممن قدمن تضحيات جليلة للأبناء ، دون انتظار المقابل ، والدتي دوما تقول " الأهم في الحياة هو بناء الإنسان تعليمه وليس الجدران " ، اليوم والدتي لا تفقه في أمور الأعراس كثيرا ، وفاة الوالد رحمه الله جعلتها تهتم فقط بإعالة الأبناء وتعليمهم لسنوات طويلة ، اليوم إن دعاها الأقارب والجيران لحفلة ما ، إما تعتذر لدواعي صحية ، وفرحها كبير عندما توجه لها الدعوة من أبناء جيرانها القدامى ، فهم في عينها " العزوة " في الشدة و" السند في الكرب " واليد الذي تحن في الحزن والقوة في الأفراح .
أغلب الأمهات والآباء قدموا أفضل ما لديهم ، ويحلمون باليوم الذي يتألق فيه أبناءهم ، يمشون على بساط أحمر ومرصع بالذهب والحرير، أغلب الأمهات والآباء لا تزورهم الفرحة إلا في لحظات يفوز فيها الأبناء بدرجة تعليمية في المدرسة ، أغلب الأمهات والآباء يبعن حتى ما يملكون لدفع مصاريف الدراسة ، أغلب الأمهات والآباء ينتظرن اليوم الذي تتوج مجهوداتهم بنجاح ما ، ويبقى سؤال واحد يطرح بإلحاح : "هل ببناء المؤسسات التعليمية في الجزائر بنينا الإنسان ؟ " في انتظار إجابة كل واحد منا ، أقول : " أليس أمهاتنا مدرسة أجمل وأنقى وأكبر من المدارس التي تشيد وتفتتح مع كل موسم دراسي في ولايات الجمهورية ؟ ".
بقلم: فتيحة زماموش.
التعليقات