"ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل ومن كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة" من أقوال العرب
حوار مع صاحبة الجلالة :
هي الصحافة ، هي تلك " الحسناء " صاحبة العز والشرف والإنسانية ، هكذا هي صاحبة الصورة والصوت والقلم والحبر ، هكذا هي بيت من زجاج وألوان زاهية وبلاط فاخر ، هكذا هي الصحافة قطار يتوقف في عديد المحطات لكنه إن لاظ تأخرك لبضع دقائق فلا ينتظر ، هكذا هي صاحبة الجلالة تمنحك الكثير من الكلمات والمعلومات والأرقام والعناوين والحسابات البريدية وتعلمك تقنية كتابة الخبر ، هكذا هي بيت العنكبوت فأبوابها دائما قابلة للتمزيق والكسر ، هكذا هي تعلمك كل فنون الرسم والتلوين ولغات كل البشر ، هكذا هي مهنة لكل من دخلها مكره او بطل ، فيجد نفسه بخيوطها قد تعثر ، هكذا هي بيت مؤثث بمختلف الحواسيب وأصوات رنين الهاتف هنا وهناك توقظك لمقارعة السهر ، هكذا هي جميلة في العشرينات ، سخية في الثلاثينات ، حانقة غاضبة في الأربعينات ، متهكمة في الخمسينات لكنها في الستينات ترميك وتتضجر ، هكذا هي بأخبارها مقبلة بمآسيها وجدالها ، مدبرة بمقالاتها وتقاريرها بحواراتها الثرية وبتحقيقاتها المقصودة ، مواربة بأخطائها مستعجلة بأخبارها ومتعبة بمتابعاتها ومتثاقلة في أيام القحط ومتقلبة في أيام الجود والكرم ، تمنحك لتأخذ منك الكثير ،
هكذا هي الصحافة :يأسرك بجمالها في العشرينات ، كثيرة السخاء في الثلاثينات ، كثيرة الغضب في الأربعينات ، كثيرة التهكم والاستهزاء في الخمسينات لكنها في الستينات ترميك وهي تتضجر ، هكذا هي الصحافة ترفع فلان وتخفض فلان وتسقط فلان وتقتل فلان ، لكن في النهاية هي تنتصر وتفتخر وأنت الخاسر الأكبر ، تأخذ منك الصحة والمال والوقت وتخطف منك سنوات العمر ،
هكذا هي صاحبة الجلالة تسحبك لسنوات لتقدم لها كل ما لذ وطاب من استيقاظ قبل الفجر ، ومن أيام في الأعياد والمناسبات حتى تأتيك لذرف الدمع وأنت في القبر .
لكن الصحافة وللأمانة ، مهنة المتاعب ترفعك عاليا وتدخلك كل الطرقات والشوارع والحواري والزنقات والمدن والقرى وتمنحك فرص مخالطة الفقير والغني البطال والعامل والموظف والمسؤول والمتعلم والأمي والجاهل ، لكنها في الأخير تمنحك شهادة لا تمنحها الجامعات في العالم ، قيمتها خزان من الحب والصبر ، أليس الصبر بلاحساب يُقدّر ، وهو في قرارة طالب القُرب والحلال أغلى من أي أجر.
فتيحة زماموش.
فتيحة زماموش.
التعليقات